في كثير من الأحيان نحن لا نحتاج إلى الكثير كي نشجع الأطفال على التعبير. لم أحتج لأقوم بالكثير كي يكتب الأطفال، ربما يحتاجون إلى محفز؛ غرض، سياق، حالة، موقف، نظرة، فكرة، كلمة، صورة، ... إليكم هذه الحادثة وكتابات أطفال.
دعتني مدرسة الفرندز التي كنت أحد معلميها قبل أن أنتقل إلى إطار عمل تربوي آخر للقاء طلبة الصف السادس الابتدائي، لأتحدث معهم عن تجربة الكتابة والسجن، حيث إنهم يدرسون نصاً للروائي عزت الغزّاوي يتناول فيه تجربته في السجن.
وهنا أود مشاركتكم بعض ما كتبه طلبة الصف السادس (11-12 عاماً) إثر هذا اللقاء الذي امتد لحصة واحدة (40 دقيقة)، ولكنني قبل ذلك أود أن أضعكم في صورة ما جرى قبل الكتابة؛ رحبّت بي المعلمة فاطمة عاصي معلمة اللغة العربية، وكذلك الأطفال. عرّفت بنفسي، وبعدها أخرجت حجراً منقوشاً كنت قد أهديته لفرقة الفنون الشعبية الفلسطينية التي ساهمت في تأسيسها،
كما وزعت عليهم مجموعة شعرية كُتبت في السجن، وCD يتضمن أغاني كتبتُ بعض نصوصها في السجن.
وكان هذا الحجر الذي عرضته أمام المجموعة قد حفرته بمعاونة أحد الفنانين خلال اعتقالي في سجن أنصار 3/النقب الصحراوي. مررت الحجر على الأطفال وكتبوا أسئلة تتعلق به، وكانوا يودون مني الإجابة عنها، وخلال الأسئلة والأجوبة مرت على أذني عبارة لم يكد يسمعها أحد غيري من طالب لم يكن متحمساً للمشاركة مثل غيره من الأطفال؛ وكأنه كان يقولها لنفسه أو كأنه يريدني ولا يريدني أن ألتقطها. استأذنته، وأعدتُ ما قاله بصوت مسموع للجميع، وكتبته على السبورة: "حجر تاه في الطريق" وعقّبت على ذلك: "يمكن لهذه العبارة أن تكون فاتحة لقصيدة أو قصة وربما مقالة ... "، وانتهى الأمر عند هذا الحد. وأكملت اللقاء فقرأت لهم قصائد كنتُ قد كتبتها في السجن، كما قرأت لهم نصوصاً عن هذه التجربة. وتحاورنا، وانتهت الحصة وغادرتُ. بعد أيام عدة كان ينبغي لي أن ألتقي مجموعة أخرى من طلبة الصف السادس للغرض نفسه، وقبل أن أدخل إليهم ناولتني المعلمة مجموعة من الأوراق، وأخبرتني بأن الطلاب كتبوها حين عادوا إلى بيوتهم وأحضروها معهم يوم أمس، فيما يلي مجتزآت مما كتبوا:
"الشمس والهواء ليس لهما وجود، بل تحرم منهما. جالساً بين ثلاثة جدران سوداء، لا تشعر بالوقت إلا بعدد المرات التي ضُربتَ فيها".
(لور 11 الصف السادس)
(2)
"حجرٌ كالذهب، يلمع كالشمس، محفورٌ في قلبي، لا ينسى أبداً، تاه في طريقٍ، ولم يعد، لم أره في أي مكانٍ حتى في الأحلام. لم أجده أبداً. أين هو يا ترى؟! أين؟ أين؟ أين؟ حجرٌ تاه في الطريق.
(خالد 11 الصف السادس)
(3)
"ذاتَ يوم ذهبتُ مع جدي لحرثِ كرمِ الزيتون، فقامَ جدي بترتيبِ الحجارةِ فوق بعضها لبناء سلسلةٍ منَ الحجارة، وبعدها ذهبَ لحرثِ الأرضِ، وكنتُ أساعدهُ، فلفتَ نظري حجر أملس غريب الشكل، وبدا لي تائهاً في الكرمِ، فخاطبتهُ قائلاً: ما أجمل شكلك أيها الحجر! فمن أين أتيت؟ فقال حزيناً: لقد تم نقلي وإبعادي عن موطني وأهلي، وكم أتشوق لرؤيتهم، فقد جئت من شاطئ يافا، وكم أتوق للعودة إليه، فحزنت عليه وأخبرته أنني سأعيده إلى موطنه. وكم فرح لهذا الخبر، فالتقطه عن الأرض، وذهبت لأخبر جدي، فاستعد جدي للرحيل، وسرنا في السيارة مسافة بعيدة حتى وصلنا إلى شاطئ بحر يافا. وكم كانت فرحته عندما شم نسيم البحر، وعانق حجارة الشاطئ، ففرحت بأنني استطعت مساعدة هذا الحجر على ملاقاة أهلهِ.
(زينة – 11 الصف السادس)
(4)
"أنا حجر، قطعتني الرياح والأمطار الشديدة عن أمي وأخذتني بعيداً عن وطني، ظلّت تدحرجني الرياح حتى وصلت إلى مكان غريب، مظلم، بادر، وحيد، لا نور للشمس فيه، فأخذت أبحث عن طريق ليخرجني من هذا المكان، فلم أجد أي مخرج، فالأسوار عالية، والأبواب مغلقة. فجلست حزيناً أتذكر أمسي ووطني، حيث يوجد الدفء والشمس والحرية، فعرفت أهمية أن يكون لي وطن انتمي إليه، فأخذت أصرخ وأنادي لعل أحداً يسمعني، لكن دون جدوى.
(معتز 11 الصف السادس)
(5)
"أيتها "الحجرة" العجيبة المحفور عليها رمز الحرية، كيف أضعتك في الصحراء وكنت بين أصابعي القوية".
(ياسمين 11 الصف السادس)
(6)
"متى أطير في نسيم الحرية، آهٍ كم أحلم بالاستيقاظ".
(ساندرا 11 الصف السادس)
(7)
"حجر تائه في الطريق بعد أن وقع من قصره العتيق. وتمنى لو كان طائراً يطير حراً في السماء طليق. قال يا ليتني أحلق عالياً لأبلغ أعالي الأفق. لكن هذا كان قدري أن أكون حجراً تاه في الطريق".
(جود 11 الصف السادس)
(8)
"حجر تاه في الطريق، مرسوم عليه الحرية ... أتى الوقت ليخطف حلمه فوصل دياره، ... بدأ يزخرف فجراً جديداً من جديد".
(دانة 11 الصف السادس)
(9)
"يا حجري أين أنت في هذا العالم، تهتَ مني بلا سبب أعرفه".
(فراس 11 الصف السادس)
(10)
"ليتني حجر لا يشعر بألم،... أنا حجر تائه في الطريق، فاحملوني، فالصديق وقت الضيق".
(أمير 11 الصف السادس)
(11)
"تدحرجت على الأرض، رُكلت لوقتٍ طويل، فهل عساي أعود إليك من جديد. فمن أنا أكون ... غير حجر تاه في الطريق".
(عبد الرزاق 11 الصف السادس)
(12)
"حَجَرٌ تاه في الطريقِ ... مُنذُ زَمَنٍ بَعيد".
(ميرا11 الصف السادس)
(13)
"حجرٌ تاه في الطريق، حجر يبحث عن شخص طليق".
(ليان 11 الصف السادس)
(14)
"يا ليتني حجرٌ لا أشعر ولا أكبر ولا أصغر، لا يوجد لدي ماض أو حاضر، انتظر من يحملني بين كفتيه، ويبعدني من بين الحجارة الجالس بجانبها، يا ليتني حجرٌ ينحفر عليه كل لحظة جملة لكل إنسان، ... يا ليتني حجر أشعر!".
(أليس 11 الصف السادس)
(15)
"أين وماذا ومتى يا ترى؟ أسئلة كثيرة في جواب واحد وعنوانٍ واحد: حجرٌ تاه في الطريق".
(محمد 11 الصف السادس)
(16)
"ولكن وهو في السجن. يجلس وحيداً على أرض زنزانة باردة مقرفة ومظلمة كالغابة. يرسم ويكتب على جدرانها لكن الاحتلال يمسحها كل يوم".
(سيف 11 الصف السادس)
(17)
"أنه حجر ذهب في طريق ليس لها عودة. دفع ثم دفع حتى تفتت ثم أعاد بناء نفسه".
(فادي 11 الصف السادس)
***