استيقظتُ باكرًا

أمس الجمعةِ

لصباحٍ لا يعكسُ سكونُهُ الظاهري فزعَهُ الباطني؛

لعلني نمتُ، غفوت، وربما استيقظتُ مرةً أو مرتين؛

فتحتُ عيونيَ على آخرها على ثلاثة كتب معًا؛ فيها نصوص مفتوحة؛ قصائد، قصصٌ، يومياتٌ، مذكرات، كنت قد هيئتُها لهذا الصباح. وأخذتُ "أقرأ". مهلا؛ 

لعلَّ كلمةَ "أقرأ" خادعةٌ ومخاتلة هنا. إنَّ ما يحدث هو أمرٌ آخرُ غيرُ القراءة، لا أعرف ما أسميه؛ ولوغ في دم الكلمات؟! ربما! تقليبٌ للحم المعنى؟! ربما عبورٌ بين أنقاض الكلام؟! ربما. فأنا لا أدري. 

إنني " أقرأ" أصدقاء وصديقات، أعرفهم جيدًا، بعضهم التقيتهم وبعضهم التقيتُ كتاباتهِم

لعلهم لم يناموا، وأغلب الظنِّ أنَّ أجفانَهم لم تلتقٍ ببعضها هذه الليلة.

وخلال ذلك رأيتُ أن أقتطع نصوصًا علِّي أشارككم إياها في حديثي معكم اليوم.

وبدأتُ أحاولُ، وأنا أعبرُ الكلام حرفا حرفا، كلمة كلمة، سطرا سطرا، فقرة فقرة، صفحة صفحة، وبدا لي بأنني

أجرّبُ نزعَ العباراتِ

من حدائقها

من أكفانِها

من طرقاتها

من مائها

من ترابها

من هوائها

من نبضاتها

من أيدي أصحابها

من مخيلتهم

من حدقاتهم

من مراميها الخفية

من أصواتِها الصامتة

من همساتها وسكناتها

من رمادها وسوادها وبياضها\

 

أجرّب وأجرب، ...

أريدُ استعارتها لأحكيها لكم الآن،

أنْ أسحبَ العباراتِ بيديَّ هاتين

أنْ أنشبَ أنيابَ المخيلةِ بأحشائها

بإبرة وخيطٍ أودُّ لأمَ فتحاتِها

أنْ أقشرَّها من أوقاتها

أنْ أجتثَّها من أمكنتها

أن أخلعَ عنها جلد أصحابها

أنْ أمحوَ أصواتها

أنْ أفركَ ألوانها

أنْ أضغطَ مراميها

 

لا ينجحُ هنا سوى الإخفاق

فهذه الكتابةُ قبل اللغة وبعد الكلام.

إذنْ لنجربَ معًا، (هنا والآن) ربما:

 

(1)

"25 ديسمبر 2023

"من أنا لتراودني فكرةُ النجاة!

فأنا لستُ طيرًا، لم أمسك سحابةً في يدي يومًا، ولا أعرفُ كيف يطير غزال بابا نويل بِـعربة تحمل هدايا الصغار!

من أكون لتستقبلني حياةٌ عاديةٌ، بحزنها العادي على سَفر صديق، أو موت الأجداد! فيها أزرع الريحان على شباك غرفتي، وأعتني بعتبة منزلي، أرمي كاسات من الشاي دون اكتراث لانقطاع المياه!"

                                                                                                                        بيسان نتيل

(2)

"من يعيد لامرأة مثلي سبتها الذي تحبُّه"

     فداء زياد

(3)

"البرُد في الخيام لا دين له"

                                                                                                         يسرا الخطيب

(5)

تقترب الساعةُ من العاشرة والنصف مساء،

تسأل الصغيرة "لور":

"أليس من المفترض أنْ نكون الآن في البيت؟

تستعير الأم "صبا" جوابًا لا زال ساخنًا، بل راعفًا، رغم ستةٍ وسبعين عامًا قد مرّت عليه حين خرج من أول فمٍ سارت خطاه ثقيلة نحو الشرق:

الأم: "يومين وبنرجع"

لور: لو بعرف إنو حنطول كنت جبت كل بُكلي"

           بتصرف: (صبا توفيق) 

كلُّ محاولةٍ لي لنسلِ هذه المقتطفات من أمكنتها صباح أمس كي أختلقَ لها سياقا مني يناسبُ المناسبة كانتْ تتسحب من بين يدي وتنسحب من تحت حبر الكتابة، تنسلُّ وتسيلُ حيث هواها وهواؤها.

كنتُ أدعي بأنني أريدُ لها أن "تتسع"، وأن تغدو رحبة، وتصلَّ إلى أبعد ما يمكنُ لريحٍ أن تصلَه

كلُّ ذلكَ بدا لي محضّ ادعاء، أو على الأقل محاولةٌ بائسةٌ أو خطوة ناقصة

فكأنما كلُّ الكلام غيرُ قابلٍ لأن يتجردَ من أنفاسِهِ كي يذهب إلى أيِّ هناك.

يمكن للبلاغةِ أنَّ ترحلَ به، أمّا العباراتُ بلحمها ودمها ونبضها فهي ابنة ترابها، وأرضُها أمُّها. تخفقُ كبلاغة وتنجو كنبض

إذن، لا حاجة لها لأن تتسع ولا حاجة لها لأن تغدو رحبة

فهي متسعة ورحبة "من دار أهلها"

ولذلك، فهي حين تتشبث بأرضها تسكن كرتَها الكاملة وكونَها التام

وتغدو أكثرَ اتساعًا منها ومنه وأرحبَ وأصدقَ.

***

وسيم الكردي

27 تموز 2027

مركز خليل السكاكيني الثقاف

كلمة افتتاحية في إطلاق منصة "تعبير"