·       المعرفة الضرورية الأولى: الخطأ والوهم

إن كل معرفة معرضة للوقوع في الخطأ والوهم. ومن واجب التربية مواجهة هذا المشكل المعرفي المزدوج. إن أكبر خطأ قد نرتكبه هو التقليل من مشكل الخطأ وأكبر وهم قد نسقط فيه هو التقليل من مشاكل الوهم، خصوصاً وأنه من الصعب بمكان الكشف عن الخطأ والوهم بسبب كونهما لا يتقدمان أبداً إلى المعرفة بوصفهما كذلك. منذ ظهور الإنسان العاقل والخطأ والوهم لا يتوقفان عن التشويش على الفكر البشري. وعندما ننطر إلى الماضي بما في ذلك الماضي والقريب، ينتابنا شعور بأن الفكر البشري كان على الدوام تحت قبضة أخطاء وأوهام عديدة.

 

·       المعرفة الثانية: المعرفة الملائمة

يجب البدء بمعرفة المشاكل الجوهرية للعالم- حتى وإن كانت مثل هذه المعرفة صعبة ومشكوك فيها، وإلا سنظل نعاني من الإعاقة المعرفية. إن العصر الكوكبي يتطلب موضعة كل شيئ في السياق والمركب الكوكبيين. وهنا، تشكل معرفة العالم كعالم ضرورة عقلية من الطراز الأول. إن المشكل الكوني لكل مواطن في الألفية الثالثة هو: كيف يمكن معرفة العالم وكيف يمكن تنظيم هذه المعرفة؟ كيف يمكن أن ندرك وأن نحافظ على السياق والشمولي (العلاقة الكل/ الأجزاء) والمتعدد الأبعاد والمركب؟  يجب إصلاح الفكر لكي نتمكن من مفصلة وتنظيم المعارف وبالتالي تمثل مشاكل العالم ومعرفتها بشكل أفضل. والحال أن مثل هذا الإصلاح يجب أن يكون منظوماتياً وليس برنامجياً. وهذه هي قضية التربية الأولى لأنها تتعلق بقدرتنا على تنظيم المعارف.

 

·       المعرفة الضرورية الثالثة: تعليم الشرط الانساني

من المفروض أن تشتمل التربية على تعليم أولي وكوني يختص بالشرط الانساني. لقد دخل البشر تجربة العصر الكوكبي خصوصاً وأن مغامرة مشتركة توحد بينهم أينما كانوا. عليهم أن يتبادلوا الاعتراف بإنسانيتهم المشتركة كإطار موحد لهم. عليهم أيضاً أن يأخذوا بعين الاعتبار تنوعهم الفردي والثقافي ويحترموه. أن تعرف الإنسان هو أن تموضعه داخل الكون لا أن تفصله عنه، وكما رأينا ذلك في الفصل الأول، على كل معرفة أن تؤطر موضوعها داخل سيافه لتكون ملائمة. فسؤال "من نحن؟" يستحيل فصله عن سؤال "أين نحن؟" و "من أين جئنا؟" و"الى أين نحن ذاهبون؟"

 

·       المعرفة الضرورية الرابعة: تعليم الهوية الأرضية

لكي يستطيع مواطنو الألفية الجديدة، أن يفكروا في مشاكلهم ومشاكل زمانهم، عليهم أن يفهموا في نفس الوقت معنى الشرط الإنساني في العالم، ومعنى شرط العالم الإنساني الذي أصبح، خلال التاريخ الحديث، عبارة عن عصر كوكبي. لقد دخلنا منذ القرن 16 في العصر الكوكبي، وها نحن قد وصلنا مع نهاية القرن 20 إلى مرحلة العولمة. إن العولمة، كمرحلة حالية للعصر الكوكبي، تعني أولاً، كما عبر عن ذلك جيداً العالم الجغرافي جاك ليفي، "انبثاق شيء جديد: إنه العالم كما هو فعلاً". لكن كلما كنا خاضعين للعالم صعب علينا الإمساك به. ففي زمن الاتصال عن بعد، وفي زمن الأخبار والأنترنيت، يستغرقنا تعقد العالم، كما أن التدفق الكبير للأخبار حول هذا العالم يغرق إمكاناتنا المسخرة لإضفاء المعقولية عليه.

 

·       المعرفة الضرورية الخامسة: مواجهة اللايقينيات

لكن ميزة القرن العشرين تكمن في كونه اكتشف ما يمكن تسميته بفقدان المستقبل، أو بعبارة أصح استحالة التنبؤ بالمستقبل. إن الوعي بهذه المسألة، يحب أن يرافقه وعي اخر ارتدادي  وتعالقي: إنه الوعي بكون التاريخ البشري كان وسيبقى عبارة عن مغامرة مجهولة. إن الإنجاز الأكبر الذي يمكن أن يقوم به العقل الإنساني، هو قدرته على التخلي عن وهم التنبؤ بالمصير الإنساني. فالمستقبل يبقى شيئاً مفتوحاً وغير قابل للتكهن. بالتـأكيد توجد محددات اقتصادية، وسوسيولوجية، ومحددات أخرى تؤثر على مجرى التاريخ، لكن ليس لها علاقة ثابتة ويقينية مع الطوارئ والمصادفات المتعددة، والتي تعمل على تشعب وتحويل مجرى التاريخ.

 

·       المعرفة الضرورية السادسة: تعليم الفهم

إنها لوضعية مفارقة تلك التي نعيش عليها في أرضنا. فالترابطات تضاعفت، والتواصل ازدهر، اذ تم اختراق الكوكب بشبكات، الفاكس، والهواتف النقالة، والمحطات الصوتية والأنترنيت. صحيح لقد تنامى الوعي بضرورة تضامن الناس مع بعضهم البعض في حياتهم وفي مماتهم، ولكن رغم ذلك فقد أصبح اللاتفاهم عملةً سائدة بين الناس. بالتأكيد حصل ثمة تقدم بأشكال كبيرة ومتنوعة في مجال الفهم، لكن وبالموازاة مع ذلك يبدو أن اللافهم لازال يعرف تقدماً كبيراً.

لقد غدا مشكل الفهم مشكلاً أساسياً بالنسبة للناس، وبهذا الصدد يمكن القول: من الواجب أن يكون هذا المشكل أحد غايات التربية.

 

لنذكر هنا بأن لا تقنية من بين تقنيات التواصل، من هاتف، ومن أنترنيت، تحمل في ذاتها خاصية الفهم. لا يمكن إضفاء الطابع الرقمي على الفهم. ثمة فرق بين أن نربي من أجل تحصيل الفهم في الرياضيات أو في مادة تعليمية أخرى، وبين أن نربي من أجل اكتساب الفهم الإنساني. هنا تتجلى الرسالة الروحية المحضة للتربية: يتعلق الأمر بتعليم الفهم بين الناس، والذي هو الشرط والضامن لتحقق التضامن العقلي والأخلاقي للإنسانية. إن مشكل الفهم هو ذو قطبين مزدوجين:

+ قطب أصبح كوكبياً، ألا وهو التفاهم بين المتباعدين، بحيث تضاعفت اللقاءات والعلاقات بين الأشخاص، وبين الثقافات، وبين الشعوب المنتمية لثقافات مختلفة.

+ قطب فردي، ويتعلق الأمر بالعلاقات بين المقربين. إذ أصبحت هذه الأخيرة مهددة أكثر فأكثر باللا تفاهم ( كما سنشير إلى ذلك لاحقاً). إن الحكمة التي تقول " كلما كنا مقربين من بعضنا البعض، تفاهمنا بشكل أفضل"، هي حكمة ليست صحيحة إلا نسبياً، إذ يمكن أن نعارضها بالحكمة التالية "كلما كنا قريبين من بعضنا البعض، قل تفاهمنا" ، لأن التقارب يمكن أن يغذي كل أنواع سوء الفهم، وأشكال الغيرة والعدوانية، حتى في الأوساط التي يبدو ظاهرياُ أنها أكثر تطوراً من الناحية العقلية.

 

·       المعرفة الضرورية السابعة: أخلاق الجنس البشري

هكذا فالأفراد – المجتمع - النوع، ليست فقط غير مفصولة عن بعضها البعض، بل هي تنتج بعضها البعض بشكل مشترك كل واحد من هذه المكونات هو في الوقت نفسه وسيلة وغاية بالنسبة للمكونات الأخرى. ولا يمكننا أن نجعل واحدة منها في الغاية الأسمى لهذا الثالوث، ذلك أن هذا الأخير هو عبارة عن دائرة تشكل غاية في ذاتها. وبالتالي فهذه المكونات غير مفصولة عن بعضها البعض: فكل تطور للجنس البشري يعني وجود تطور مرافق له في أشكال الاستقلال الفردي، وفي المساهمات الجماعية، وفي الإحساس بالانتماء للنوع البشري. وداخل هذا الثالوث المركب، يبرز الوعي.

***

 

المرجع

موران، إدغار (2002) تربية المستقبل - المعارف السبع الضرورية لتربية المستقبل، ت: عزيز لزرق ومنير الحجوجي، المغرب/فرنسا، دار توبقال للنشر و منشورات اليونسكو